تقدير موقف

قمة ترامب المرتقبة مع خمسة قادة أفارقة:

شراكة تجارية أم هندسة نفوذ جديد؟

في تحوّل مثير للجدل في السياسات الأمريكية تجاه إفريقيا، تعقد إدارة ترامب أول قمة أفريقية لها في ولايتها الثانية يومي 9-11 يوليو 2025 في واشنطن، بمشاركة خمسة رؤساء الغابون، وغينيا-بيساو، وليبيريا، وموريتانيا، والسنغال، بهدف تعزيز “الفرص التجارية” بدلاً من تقديم “المساعدات الخيرية” التقليدية.

تأتي هذه الخطوة ضمن استراتيجية “أميركا أولًا” التي شهدت خفضاً كبيراً في المساعدات الخارجية لإفريقيا، وانتقالًا إلى دعم الدول التي تظهر “القدرة والإرادة” لتحقيق التنمية الاقتصادية بنفسها. وقد أوضح وزير الخارجية ماركو روبيو أن هذه السياسة تركز على استبدال نموذج المساعدات بنموذج مبني على التجارة والاستثمار.

تحت هذه الرؤية، خضع السفراء الأمريكيون في إفريقيا لتقييمات تعتمد على عدد الاتفاقيات التجارية التي يحققونها، بدلًا من حجم المساعدات الموزعة. وقد أشار مسؤول الشؤون الإفريقية في وزارة الخارجية إلى أن ما يزيد على 33 اتفاقية تجارية بقيمة ستة مليارات دولار تمت خلال أول 100 يوم من إدارة ترامب.

وتتضمن الأهداف الصناعية أيضًا تأمين بعض الموارد الحيوية—كالليثيوم والكوبالت والن Rare Earths—بشكل متوازٍ لمواجهة النفوذ المتنامي للصين وروسيا في القارة. وتُعد الأمم الإفريقية المشاركة دولًا ذات استقرار نسبي أو إمكانات في الموارد والأمن الإقليمي، ما يجعلها جزءاً من استراتيجيات واشنطن لتقوية التحالفات التجارية دون الدخول في ساحات صراع كبرى مثل نيجيريا أو جنوب إفريقيا.

لكن هذا التحوّل الاستراتيجي يواجه تحديات حقيقية؛ فهناك مخاوف من أنّ الرسوم الجمركية المقترحة، والتي قد تصل إلى 50٪، يمكن أن تفقد الشركات الأفريقية إمكانية الوصول إلى الأسواق الأمريكية، مما يشكل تهديداً على النمو الاقتصادي داخل القارة.

كما تبرز مشكلة العقوبات غير الجمركية مثل قيود التأشيرة المفروضة على بعض الدول في غرب إفريقيا، والتي يعتبرها بعض المسؤولين الأفارقة عائقًا أمام تطوير الشراكات التجارية.

ومن منظور خبراء العلاقات الإفريقية-الأمريكية، فإن هذه القمة تعبّر عن ممارسة “الدبلوماسية التجارية”: حيث يتم تأكيد تبادل المنافع الاقتصادية، ونقل الخبرات، وبناء القدرات المحلية، شريطة أن تترافق مع شروط وضمانات واضحة للطرفين. غير أن التساؤلات تظل قائمة حول مدى استدامة هذه الشراكات، خاصة فيما يتعلق بشروط النفاذ للأسواق، والعدالة في بنود العقود، وتأثيرها على الدول الكبرى والمكتفية ذاتياً.

ولهذه الأهمية، يسعى فريق المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات (أفروبوليسي) إلى تقديم أربعة تعليقات على هذا الحدث لتسليط الضوء على دلالاته وتداعياته على مستقبل العلاقات الأمريكية الإفريقية.

من المعونة إلى المعاملة التجارية

تشير قمة ترامب المقبلة مع خمسة زعماء أفارقة إلى تغير جوهري في طريقة تعامل الولايات المتحدة مع القارة، حيث لم يعد نموذج “المساعدات التنموية” هو الإطار الحاكم للعلاقات، بل يتم استبداله بنهج يقوم على التبادل التجاري والفرص الاستثمارية. هذا التحول ينبع من فلسفة “أمريكا أولًا” التي تعتبر أن دعم الشركاء يجب أن يكون مشروطًا بقدرتهم على تحقيق منافع متبادلة. وهو ما صرّح به وزير الخارجية ماركو روبيو مؤخرًا حين أكد أن بلاده تفضّل دعم الدول التي “تُظهر قدرة وإرادة للمساعدة الذاتية”.

في هذا السياق، تم ربط التمثيل الدبلوماسي الأمريكي في إفريقيا بمعايير قائمة على حجم الصفقات التجارية التي يتم التوصل إليها، وليس على حجم المساعدات المقدمة أو المؤتمرات الإنسانية. هذا التحول يبعث برسائل واضحة إلى العواصم الإفريقية مفادها أن واشنطن تريد شركاء تجاريين لا مستفيدين دائمين. ومن المتوقع أن يتم خلال القمة توقيع مذكرات تفاهم ومبادرات في مجالات الموارد الطبيعية والبنية التحتية الرقمية والطاقة الخضراء، وهو ما يعكس الأجندة الاقتصادية الجديدة.

غير أن هذا النهج لا يخلو من التحديات، فإفريقيا لا تزال تضم دولًا تعاني من هشاشة اقتصادية ومؤسساتية تجعلها غير قادرة على استيفاء متطلبات الشراكات التجارية المباشرة دون دعم مكمّل. وبالتالي، فإن التركيز الحصري على التجارة دون مرافقة ببرامج تأهيل أو بناء قدرات قد يعمّق فجوة التنمية، ويجعل القمة تبدو وكأنها صفقة غير متوازنة في نظر الكثير من الفاعلين الأفارقة.

استهداف انتقائي لبناء نفوذ جديد

اختيار خمس دول بعينها، (الغابون، غينيا-بيساو، ليبيريا، موريتانيا، والسنغال)، يُظهر ميلًا أمريكيًا نحو بناء نفوذ جديد في فضاءات جيوسياسية أقل ازدحامًا من المحاور التقليدية في إفريقيا. هذه الدول تتسم بقدر من الاستقرار السياسي أو الجاذبية الجيو-اقتصادية، لكنها أيضًا أقل حساسية من حيث تعقيداتها الداخلية أو ارتباطاتها بالمعسكرات الدولية المتنافسة. وبذلك، قد تكون واشنطن اختارتها كبوابات تجريبية لنموذجها الجديد في الشراكة الأفريقية.

في المقابل، يلاحظ غياب قوى إفريقية تقليدية مثل نيجيريا، جنوب إفريقيا، أو كينيا، مما يعكس رغبة في تجنّب المطالبات الكبيرة أو النفوذ المستقل الذي قد يصعّب من فرض الشروط التجارية الأمريكية. عبر هذا النهج الانتقائي، تحاول إدارة ترامب ترسيخ “تحالف تجاري مرن” في مناطق تعتبرها أقل نفوذًا صينيًا أو روسيًا، وأكثر قابلية للضبط الدبلوماسي والاقتصادي.

ومع ذلك، هذا المسار يثير تساؤلات حول إمكانية تعميم النموذج، ومدى جدواه الفعلي في بناء علاقات أمريكية إفريقية مستقرة وممتدة. إذ قد ينظر إلى هذه الدول كـ “شركاء ظرفيين” في مشروع سياسي أمريكي عابر، ما لم يتم تقديم رؤية متماسكة وواضحة لبناء تحالف استراتيجي طويل الأجل يخدم مصالح جميع الأطراف بعدالة.

التناقضات تُهدد ثقة الشركاء

رغم الإعلان عن الرغبة في تعزيز التجارة والشراكات الاقتصادية، تواجه إدارة ترامب انتقادات متزايدة بسبب السياسات المتناقضة التي تطبقها بالتوازي، وأبرزها فرض رسوم جمركية مقترحة على صادرات أفريقية قد تصل إلى 50٪، وقيود تأشيرات تُعيق حركة رجال الأعمال والمسؤولين من غرب إفريقيا. هذه الإجراءات تخلق حالة من الشك لدى الدول الأفريقية حول جدية الولايات المتحدة في إقامة شراكة متكافئة.

وفي حين يروّج البيت الأبيض لشراكة تقوم على المنفعة المتبادلة، قد تُفسر بعض هذه السياسات كنوع من الانكفاء الحمائي الذي يصعب التوفيق بينه وبين خطاب الانفتاح التجاري. فعلى سبيل المثال، عبّر وزير التجارة النيجيري عن قلقه من أن القيود المفروضة على التأشيرات الأمريكية تقوّض الثقة، وتجعل من الصعب التفاوض على اتفاقيات طويلة المدى مع الولايات المتحدة، خاصة في ظل توفر بدائل أكثر مرونة مثل الصين وتركيا.

هذه التناقضات، تُضعف مخرجات القمة المرتقبة، لأنها تضع الدول الأفريقية أمام معضلة: هل يمكن الوثوق في شراكة تجارية تقترن برسوم وعقوبات؟ وما مدى استدامة هذا النموذج إذا تغيرت الإدارة أو تبدلت المصالح الأمريكية؟ إن الإجابة على هذه الأسئلة تتطلب من واشنطن إرسال رسائل أكثر اتساقًا ومصداقية، وأن تقدم إطارًا مؤسسيًا متوازنًا يجمع بين الانفتاح الاقتصادي واحترام خصوصيات التنمية المحلية.

دبلوماسية المعادن وهواجس الهجرة

على الرغم من أن الدول الخمس تعتبر أطرافًا ثانوية نسبيًا من حيث حجم التجارة مع الولايات المتحدة الأمريكية، لكن يلاحظ أن هذه الدول تمتلك موارد طبيعية هائلة غير مستغلة، وهنا يندفع الرئيس ترامب لتعزيز رؤيته المؤسسة على ما يفيد أمريكا أولا بغض النظر عما تواجهه هذه الدول أو تحدياتها الداخلية  التي تتعارض مع المبادئ الأمريكية في التعامل مع الدلو النامية.

ــــ تعتبر دولة الغابون غنية جدا بالنفط والمنجنيز واليورانيوم وخام الحديد والذهب والعناصر الأرضية النادرة

ــــ غينيا بيساو تمتلك رواسب كبيرة من الفوسفات والبوكسيت والنفط والغاز والذهب

ـــــ تتمتع ليبيريا باحتياطات كبيرة من المنجنيز والذهب مع اكتشافات للماس حديثا قريبا من حدودها مع سيراليون.

ــــ موريتانيا تتمتع بثروة هائلة من خام الحديد والذهب والنحاس والنفط والغاز الطبيعي والعناصر الأرضية النادرة.

ـــ أما السنغال فهي غنية بالذهب والفوسفات وخام الحديد والمعادن النادرة فضلا عن النفط والغاز الطبيعي.

يضيف خبراء أفارقة أن قضايا الهجرة وطرق تهريب المخدرات تعتبر في مقدمة الأجندة التي تؤرق ترامب، باعتبار أن هذه الدول الخمس تقع مباشرة وتتحكم في مسارات اللاجئين والمهاجرين، ولذلك يُعتقد أن تهيمن هذه الأجندة على محدثات ترامب مع القادة الأفارقة الخمس في اللقاء المرتقب.

الخاتمة

في ضوء هذه القمة، تبدو إدارة ترامب وكأنها تعيد رسم خارطة علاقتها مع إفريقيا بأدوات جديدة، تتمثل في التجارة والصفقات بدل المساعدات والبرامج الإنسانية. غير أن فعالية هذه المقاربة ستتوقف على مدى قدرتها على تجاوز التناقضات، وتقديم بدائل جاذبة تحترم تطلعات الدول الأفريقية إلى تنمية عادلة وذات سيادة. فالقمة ليست مجرد لقاء رمزي، بل اختبار جاد لعلاقة أمريكا بالقارة في ظل التنافس الجيوسياسي المحتدم، وميزان الفرص والمخاطر لا يزال مفتوحًا على جميع الاحتمالات.

 

المصدر:

What’s behind Trump’s mini-summit with coastal West Africa leaders? – The Africa Report.com Why is Trump meeting five African presidents this week? DW

أفروبوليسي

المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات (أفروبوليسي) مؤسسة مستقلة تقدم دراسات وأبحاثاً حول القضايا الأفريقية لدعم صناع القرار بمعرفة دقيقة وموثوقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى